مقالات

الدكتور قاسم ذكي يكتب عن تهريب الآثار المصرية (7- ب)… نقل مسلات مصرية إلى ميادين أوربية وأمريكية  

ذكرنا في حلقتنا السابقة (7-أ) أن مسلسل تهريب المسلات المصرية للخارج استمر منذ قرون ما قبل الميلاد وحتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي. وكان في مصر ما لا يقل عن مئة مسلة، لم يتبق منهن حتى اليوم سوى 13 مسلة معروفة، منهن سبع نقلن داخل مصر من أماكنهن الأصلية (منهن اثنتين نقلتا حديثا عام 2018م من صان الحجر الى العاصمة الإدارية الجديدة). بينما ست لا يزلن في مواقعهن الأصلية، بينهن اثنتين معطوبتين وأربع فقط ما زلن منتصبات يحتفظن بسلامتهن ورونقهن.

اخترنا لك : الدكتور قاسم ذكي يكتب عن تهريب الآثار المصرية (7- أ)… مسلات مصرية في ميادين أوربية وأمريكية

ومن الطريف أن أكبر عدد من المسلّات المصرية في العالم موجود حاليا في إيطاليا (ليس في مصر)، إذ يوجد فيها ثلاث عشرة مسلّة منتصبة، منها ثمان مسلّات في مدينة روما وحدها. وفي فرنسا توجد أربع مسلّات فرعونيّة، وفي مدينة إسطنبول التركيّة (القسطنطينية البيزنطية سابقا) مسلّتان فرعونيّتان، وفي مدينة لندن مسلّة واحدة فرعونيّة، وفي مدينة نيويورك مسلة واحدة فرعونيّة.  لكن كيف هاجرت تلك المسلات للخارج وبعضهن تزن مئات الأطنان وعشرات الأمتار طولا.

مسلسل تهريب المسلات للخارج:

بدأ تهريب المسلات من مصر إلى الخارج منذ قبل الميلاد، حيث تشير المصادر أن “آشور بانيبال” آخر ملوك آشور، بعد غزوه لمصر سنة 665 ق.م قام بنقل مسلتين من مسلات أون (عين شمس) ارتفاع كل منهما 15.24 مترا، لإقامتهما في مدينة “نينوى” (Nineveh) عاصمة مملكتهم (بالعراق الشقيق حاليا).

وبعد “أشور بانيبال”، جاء دور أباطرة الرومان، عندما استولوا على مصر (عام 32 ق.م)، اهتموا بنقل المسلات المصرية إلى روما عاصمة إمبراطوريتهم فقد نقلوا العديد من المسلات إلى روما والقسطنطينية.

ويذكر المؤرخون أن أول مسلة مصرية نقلت إلى أوروبا تلك التي حملها الإمبراطور “أغسطس قيصر” عند عودته من الزيارة التي قام بها إلى مصر عام 10 ق.م وجعلها تتوسط مدينة روما. كما قام الإمبراطور “كاليجولا” بنقل إحدى مسلات تحتمس الثالث من عين شمس وأقامها في ميدان القديس بطرس، ومن بعدهما قام أيضا الإمبراطور “دوماتيان” عام 88م بنقل إحدى مسلات رمسيس الثاني، والتي كانت موجودة في معبد صان الحجر بالشرقية لوضعها في بهو معبد إيزيس على شاطئ نهر “التيبر” في روما. وفي عام 130م نقل الإمبراطور “هادريان” مسلة من هليوبوليس إلى روما.

اخترنا لك : الدكتور قاسم ذكي يكتب عن تهريب الآثار المصرية (6)… حتى المسلات العملاقة هُربت للخارج

وفي عام 330م حاول “قسطنطين الأول “نقل أكبر مسلة فرعونية إلى بيزنطة لتجميل عاصمة مملكته الجديدة، ولكن محاولته واجهت صعوبات عديدة فظلت المسلة في مكانها على شاطئ الإسكندرية لمدة 27عام، حتى قام ابنه قسطنطينيوس الثاني عام 357م بنقلها إلى روما في ميدان مكسيموس. لكن مات في نفس السنة فتركت المسلة في مكانها حتى عام 1587م فتم ترميمها وإصلاحها وإقامتها أمام كنيسة القديس يوحنا “باللاتيران” كما تم رفع الصليب على قمتها كرمز على انتصار المسيحية على الوثنية! وتعتبر مسلة اللاتيران أكبر مسلة فرعونية نقلت خارج مصر حيث يبلغ ارتفاعها 32.18م ( 45.70مترا بالقاعدة) ووزنها 230 طناً.

ويؤكد المؤرخون أن مسلة روما هي آخر المسلات التي أقامها الملك “سيتى الأول” عام 1290ق.م، وقد نقلت إلى روما في أواخر عصر الحكم الروماني، وهي تقف الآن في ميدان الشعب (بياتزادل بوبولو) وسط روما، وتعتبر من أشهر وأجمل مسلاتها.

أما مسلة الفاتيكان فهي موجودة في ساحة القديس بطرس وارتفاعها 25.5 مترا، مدعومة بتماثيل أسود برونزية وصليب في أعلاها.  وأيضا مسلة “فلامينيو” بناها رمسيس الثاني ويبلغ ارتفاعها 24 مترًا – (36.50 مترا بالقاعدة) موجودة في ساحة “بوبولو”. وأيضا مسلة “ماتشوتيو”، والتي بناها رمسيس الثاني أيضا، وارتفاعها 6.34 متر (14.52 متر بالقاعدة) موجودة في ساحة “روتوندا”. ومسلة “مينرفيو”، ارتفاعها5.47  متر (12.69 مترا بالقاعدة) وهى منتصبة في  “سانتا ماريا سوبرا مينرفا” . ومسلة “دوجالي” والتي بناها رمسيس الثاني أيضا، وارتفاعها 6.34 متر وهي موجودة في حمامات “ديكولتيان”. أيضا توجد في روما مسلات صنعت في مصر في الحقبة الرومانية لحساب أثرياء رومان.

أسرة محمد على تقدم المسلات كهدايا:

ومن المعروف تاريخياً أنه بجانب ما نُهب من مسلات، فإن بعض حكام مصر قد قدموا المسلات كهدايا لحكام دول أخرى. هذه الممارسة كانت شائعة بشكل خاص في العصر الحديث، حيث استخدمها حكام مصر كوسيلة دبلوماسية لتعزيز العلاقات مع الدول الأوروبية. فمثلا تم نقل مسلة من أمام معبد الأقصر إلى ميدان الكونكورد في باريس عام 1836م، كهدية من محمد علي باشا إلى الملك لويس فيليب. كذلك قد سبق أن أهدى محمد على باشا إبرة كليوباترا (مسلة تحتمس الثالث) إلى بريطانيا عام 1831م، وتم نقلها من هليوبوليس إلى لندن، ووضعت في ميدان فيكتوريا. كذلك مسلة نيويورك كانت موجودة في مدينة هليوبوليس المصرية وتم نقلها إلى نيويورك في أواخر القرن التاسع عشر (1880م) كهدية من الخديوي إسماعيل باشا إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

دكتور قاسم زكى؛

 أستاذ الوراثة بكلية الزراعة جامعة المنيا،

وعضو اتحاد الأثريين المصريين، وعضو اتحاد كتاب مصر

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى