الدكتور قاسم ذكي يكتب عن تهريب الآثار المصرية (27): الجناح المصري في المتحف البريطاني بلندن

نواصل في المقال الجديد من سلسة مقالات “تهريب الآثار المصرية” الحديث عن المتحف البريطاني حيث تكشف الأرقام الرسمية الصادرة عن المتحف البريطاني أنه يمتلك أكبر مجموعة في العالم للآثار المصرية خارج مصر، تضم ما يزيد عن مئة وعشرة ( 110) آلاف قطعة آثرية، تشمل آثار ومقتنيات ترجع لمختلف الفترات والعصور في تاريخ مصر القديم، وتمثل كل جوانب ثقافات وادي النيل في المملكة المصرية (بما في ذلك النوبة والسودان)، من فترة ما قبل الأسرات في العصر الحجري الحديث (حوالي 10 آلاف قبل الميلاد) مرورًا حتى العصور القبطية (القرن 12 الميلادي)، وحتى يومنا هذا؛ أي أن الآثار المصرية الموجودة في المتحف البريطاني تغطي فترة تبلغ قرابة 11 ألف سنة من تاريخ مصر.
وتشكل الآثار المصرية جزءًا مهمًا من مجموعة المتحف البريطاني منذ تأسيسه عام 1753م اعتمادًا على مجموعات العالم السير “هانز سلون” (Sir Hans Sloane، 1660م- 1753م)، التي اشتراها منه البرلمان البريطاني وأهداها للمتحف، وكانت تشتمل هذه المجموعة الأولى على قرابة 160 قطعة آثار مصرية جمعها “سلون” من زياراته إلى مصر.
نشأة الجناح المصري في المتحف البريطاني:
شكلت الآثار المصرية جزءًا مهمًا من مجموعات المتحف البريطاني منذ تأسيسه عام 1753م. وبعد هزيمة القوات الفرنسية بمصر تحت قيادة نابليون بونابرت في معركة أبي قير البحرية عام 1801م، والمعارك الأخرى ضد الإنجليز والأتراك وثورات المصريين، حيث تمَّ توقيع اتفاقية استسلام القوات الفرنسية فيما عُرِفَ بمعاهدة الإسكندرية، وبموجب هذه الاتفاقية عُدت كل المخطوطات العربية والتماثيل والمقتنيات الأثرية التي جمعها علماء الحملة الفرنسية أثناء وجودهم في مصر (1798م-1801م) “ملكية عامة” لا تخص الفرنسيين وحدهم، مما مكن القوات البريطانية من الاستيلاء على كميةٍ ضخمة من الآثار المصرية من الفرنسيين من بينها “حجر رشيد” الشهير، وتلك المجموعة كانت جاهزةً للعرض داخل المتحف البريطاني بحلول عام 1803م.
مورد أخر للأثار المصرية للمتحف البريطاني:
بعد ذلك؛ عينت المملكة المتحدة “هنري سولت”(Henry Salt، 1780م – 1827م)، وهو فنانٌ ورحالة ودبلوماسي وعالم مصريات إنجليزي، عُيِنَ قنصلًا لبريطانيا في مصر (1815م-1827م)؛ الذي جمع مجموعاتٍ ضخمة من الآثار المصرية، تمَّ نقل بعضها إلى أوروبا ببراعةٍ كبيرة بمعاونة المغامر والمستكشف الإيطالي الشهير “جوفاني باتيستا بلزوني” (Giovanni Battista Belzoni؛ 1778م-1823م). وتمَّ شراء معظم الآثار التي جمعها “هنري سولت” من قِبل المتحف البريطاني ومتحف اللوفر.
ومع الوقت تحول سولت إلى أشبه ما يكون بالمورد الرئيسي للآثار المصرية إلى المتحف البريطاني، وهو ما دفع إدارة المتحف في عام 1818م إلى تأسيس قسم الآثار المصرية بعد حصولها على تمثال عملاق لرمسيس الثاني بفضل سولت.
جمعية استكشاف مصر:
بحلول عام 1866م، كانت مجموعة الآثار المصرية بالمتحف البريطاني تتكون من حوالي عشرة آلاف قطعة آثارية، ثم بدأت الآثار تأتي من الحفريات إلى المتحف في الجزء الأخير من القرن التاسع عشر نتيجة لعمل جمعية استكشاف مصر الإنجليزية، التي تأسست عام 1880م، وبالرغم من أنها كانت جمعيةً خيرية تهدف في الأساس إلى استكشاف المواقع الأثرية في الدلتا ووادي النيل لأغراض البحث العلمي، إلا أن ذلك لم يمنعها من الاستيلاء على قرابة 11 ألف قطعة آثار مصرية أرسلتها لاحقًا إلى المتحف البريطاني، بعدما جمعتها من عدة مناطق في مصر، أهمها تل العمارنة والدير البحري.
ولم تكتف الجمعية بالجمع والاستيلاء عبر رجالها، بل قامت بدعم عمليات حفر وتنقيب لآخرين للغرض ذاته، وهو نهب الآثار المصرية، حيث دعمت الحفريات التي قام بها عالم الآثار الإنجليزي “فليندرز بيتري” (Flinders Petrie ، 1853 م –1942م، عالم المصريات الإنجليزي ورائد منهاج منظم في علم الآثار). دعمت حفائره في عدة أماكن بالدلتا والصعيد، والتي أسفرت عن العثور على 18 ألف قطعة، حصل المتحف البريطاني على ما يقرب من 8 آلاف قطعة لوحده.
“واليس بادج” يملأ المتحف البريطاني:
أيضًا في إطار جهود “واليس بادج” (Wallis Budge، 1857م – 1934م، عالم المصريات الإنجليزي) جاءت أكثر من أحد عشر ألف (11000) قطعة، بما في ذلك قطع من تل العمارنة (المنيا) وتل بسطة (الشرقية) والدير البحري (الأقصر)، كما قامت منظمات وأفراد آخرون بالتنقيب عن آثار لصالح المتحف البريطاني والتبرع بها له، بما في ذلك أبحاث المدرسة البريطانية للآثار في مصر، بالإضافة إلى بعثة جامعة أوكسفورد، كذلك استمرت أبحاث “فلندرز بيتري”، ويعد البعض أن أهم اكتشافاته في مصر هي لوحة مرنبتاح والتي تسمي أحيانًا لوحة بني إسرائيل أو لوحة النصر، حمدًا لله أنها بالمتحف المصري بالتحرير.
حفريات المتحف البريطاني بنفسه:
استمر الدعم النشط من قِبل المتحف للتنقيب في مصر في تحقيق عمليات استحواذ مهمة طوال القرن العشرين؛ حتى أدت التغييرات في قوانين الآثار في مصر إلى تعليق السياسات التي تسمح بتصدير الاكتشافات، على الرغم من استمرار الاستكشافات في السودان. أجرى المتحف البريطاني الحفريات الخاصة به في مصر حيث حصل طبقًا لقانون قسمة الآثار المكتشفة على كميات كبيرة من الأثار المصرية: ويبلغ حجم المجموعات المصرية في المتحف البريطاني الآن أكثر من مئة وعشرة آلاف قطعة.
مجموعات “ويندورف” و”روزماري وديتريش كليم” و”ويليام آدمز” وتجاوز الملايين:
في خريف عام 2001م؛ تمَّ حصر ثمانية ملايين قطعة تشكل المجموعة الدائمة للمتحف البريطاني بإضافة ستة ملايين قطعة من مجموعة “ويندورف” (Wendorf) من عصور ما قبل التاريخ المصرية والسودانية، تمَّ التبرع بها من قبل البروفيسور “فريد ويندورف” (Fred Wendorf، 1924م- 2015م، جامعة ساوثرن ميثوديست في تكساس الأمريكية). وهناك مجموعات العمل الميداني الأخرى جاءت مؤخرًا وهي مجموعة “روزماري وديتريش كليم”، وهي تتألف من آلاف العينات الصخرية المأخوذة من مواقع المحاجر المصرية. شكّل هذه المجموعة عالمة المصريات” روزماري كليم” (Rosemary Clem، 1938م، 87 عاما) وزوجها الجيولوجي” ديتريش د. كليم” (Dietrich D. Klemm، 1933م – 2020م)، وكلاهما في جامعة “لودفيج ماكسيميليان” بميونيخ، المانيا.
وأيضا مجموعة “ويليام آدمز” (William Yewdale Adams، 1927م- 2019 م، جامعة كنتاكي الأمريكية)، فقد ساهم “أدمز” في إثراء المتحف البريطاني من خلال تبرعه بعدد من القطع الأثرية النوبية، التي جمعها خلال أعماله الميدانية في السودان ومصر. تمت هذه التبرعات بالتعاون مع متحف”W.S. Webb” للأنثروبولوجيا بجامعة كنتاكي، حيث كان آدامز أستاذًا.
عرض المقتنيات المصرية في المتحف البريطاني:
تعرض المقتنيات المصرية في قسم الجناح المصري السوداني بالمتحف البريطاني في مجموعات، وتقسم المعروضات طبقا للتسلسل الزمني لأحقاب التاريخ المصري القديم كما يلي:
فترة ما قبل الأسرات والأسرة المبكرة (6000 قبل الميلاد إلى 2690 قبل الميلاد)؛ تليها معروضات المملكة القديمة (2690-2181 قبل الميلاد)؛ ثم المملكة الوسطى (2134–1690 قبل الميلاد)؛ وتعقبها المملكة الحديثة (1549-1069 قبل الميلاد). ثم تأتي معروضات الفترة المتوسطة الثالثة (1069–664 قبل الميلاد)؛ لنصل الى الفترة المتأخرة (664-332 قبل الميلاد). تليهم معروضات سلالة البطالمة (305-30 ق.م). ثم تنهي المعروضات مع الفترة الرومانية (30 ق.م – 641 م):