رامي العاصي يكتب .. خدعة الغذاء الصحي

تشهد الأسواق العالمية تناميًا ملحوظًا في الطلب على المنتجات الغذائية الصحية، في ظل تزايد الأمراض المرتبطة بالتغذية، مثل السمنة وأمراض القلب والسكري، ورغم الجهود المبذولة لتقديم خيارات غذائية ذات قيمة غذائية عالية وخالية من الإضافات الضارة، لا تزال الكثير من الشركات تواجه تحديات كبيرة في تحقيق هذا التوازن، حيث تظل معايير الإنتاج الصحي مقيدة بعوامل اقتصادية وتجارية تؤثر على جودة المنتجات المطروحة في الأسواق.
تعتمد كثير من الشركات الكبرى على مكونات غير صحية رغم الترويج لمنتجاتها باعتبارها طبيعية أو مفيدة للجسم، فالمشروبات الغازية على سبيل المثال تحتوي على كميات مرتفعة من السكر قد تصل إلى 40 جرامًا لكل عبوة، في حين أن الحد الأقصى الموصى به يوميًا لا يتجاوز 25 جرامًا، كذلك تُستخدم الزيوت المهدرجة في الكثير من المنتجات المعلبة والمخبوزات بهدف إطالة عمرها الافتراضي، رغم تأثيرها السلبي على الصحة وارتباطها بأمراض القلب وارتفاع الكوليسترول، أما الصوديوم، فتظهر مستوياته المرتفعة في الأغذية المصنعة، مما يسهم في ارتفاع ضغط الدم ومشكلات صحية أخرى.
الغذاء الصحي والتحديات العملية

إنتاج غذاء صحي يواجه تحديات عديدة، حيث إن الاعتماد على مكونات طبيعية يتطلب تكلفة أعلى مقارنة بالمكونات الصناعية، كما أن المنتجات الغنية بالسكر والدهون تحقق مبيعات مرتفعة نظرًا لاعتياد المستهلك على مذاقها، مما يدفع الشركات إلى التردد في تقليل هذه العناصر، ومن ناحية أخرى، فإن التشريعات المنظمة لجودة المنتجات الغذائية تختلف من دولة إلى أخرى، وهو ما يسمح لبعض الشركات بالتحايل على المعايير الصحية دون مخالفة القوانين بشكل واضح.
رغم إدراك الشركات لهذه التحديات، فقد ساهمت بشكل كبير في خلق ثقافة استهلاكية تعتمد على المنتجات غير الصحية، وذلك من خلال الحملات التسويقية التي تستهدف الفئات العمرية الصغيرة وتربط بين المنتجات الغنية بالسكر والدهون وبين المتعة والسعادة، كما أن بعض العلامات التجارية تلجأ إلى الترويج لمفاهيم مضللة مثل “المنتجات قليلة الدسم”، التي قد تحتوي على كميات مرتفعة من السكر لتعويض النكهة المفقودة، مما يجعلها غير صحية رغم المظهر التسويقي الإيجابي.
الغذاء الصحي واستراتيجيات الشركات

في السنوات الأخيرة، بدأت بعض الشركات في تعديل استراتيجياتها لمواكبة التوجه العالمي نحو الغذاء الصحي، حيث تم تقليل كميات السكر في بعض المنتجات واستبدال الدهون المهدرجة بمكونات طبيعية أكثر أمانًا، ومع ذلك، فإن هذه التحسينات لا تزال محدودة، وغالبًا ما تكون استجابة للضغوط الرقابية والمجتمعية وليس لالتزام حقيقي بصحة المستهلك.
التحول إلى نظام غذائي صحي مسؤولية مشتركة بين المستهلكين والشركات، حيث يمكن للمستهلك أن يؤثر على السوق من خلال خياراته الواعية، بينما تتحمل الشركات مسؤولية تقديم منتجات تضمن الحد الأدنى من الجودة الغذائية دون الاعتماد على الإضافات الضارة، وبينما تتسابق العلامات التجارية لكسب ثقة العملاء، يظل التحدي الأكبر في تحقيق معادلة الربح دون الإضرار بالصحة العامة.