الدكتور قاسم ذكي يكتب عن تهريب الآثار المصرية (4)… لصوص آثار مصرية لكنهم فراعنة
ذكرنا في مقالتنا الأسبوعية الثالثة (نهب الآثار سمة بشرية منذ القدم)، أن نهب الآثار كان من دافع الطمع وحب الاستطلاع، ولم تخل أمة في التاريخ ذات إرث حضاري كبير كاليونان والرومان والهند والصين وبلاد الرافدين وبلاد الشام واليمن وحتى أفريقيا والأميركتين، وبالطبع ارض الكنانة من التعرض لتك المحنة. وليس مصر استثناء من هذا، وخاصة إنه يقال إنها تحوي أكثر من ثلثي أثار العالم، وان مبانيها من الحجر الصخري الصلد، وطريقة بناءه كانت على درجة عالية من التقنية والمهارة، فوهبتها الخلود. كذا لم يبخل عليها مناخ مصر الجاف بان يحميها من التدهور حيث لا أمطار ولا رطوبة تأكل الصخور، ثم أتت رمال مصر الذهبية لتقوم بواجبها في تغطية تلك الكنوز ولترقد تحتها لعشرات القرون مختفية، فحمتها من التعرض للمناخ السيء، ونهب لصوص القبور.
اخترنا لك: نهب الآثار سمة بشرية منذ القدم
إتلاف بعض الآثار المصرية
لكن أبت السنون إلا أن يتم نهب وتهريب وأيضا إتلاف بعض الآثار المصرية على يد أهل مصر أنفسهم وعلى يد الأجانب أيضا، ولنا الآن أن نبدأ استعراضنا لتلك الأفة الخطيرة (نهب وتهريب الأثار) والتي تسببت في ضياع كثير من تراث مصر العظيم. فلم يتوان الغزاة الأشوريين وخلفهم الفرس وتلاهم الرومان بأباطرتهم العظام، منذ قبل الميلاد، وتبعهم المستعمرون الأوربيون في القرون الوسطى الميلادية وما تلاها من نهب وتهريب الآثار المصرية. ولم يفت فقراء مصر بل وأحيانا اثريائها أن تمتد أيدهم أيضا لتسرق موتاهم وتراثهم ويساهموا في تهريبه للخارج.
ولعلنا لن تصيبنا الدهشة حين نعلم أن أول من انتهك حرمة الموتى ونبش وسطَا على القبور وخربها وحطم مومياوات الفراعنة وسرق مقتنياتها من نفيس المعادن هم الفراعنة أنفسهم، فليست سرقة الأثار أمر حديث، فهي موجودة ومعروفة منذ عصر الفراعنة الأقدمين. وقد حاول المصريون القدماء حماية مومياواتهم وكنوزهم داخل مقابرهم وأهراماتهم بطرق عدة، ولكن دائما باءت محاولاتهم بالفشل، إما بعد وقت قصير من دفن موتاهم أو حتى بعد مئات أو آلاف السنين.
اخترنا لك : مليون قطعة أثرية مصرية بمتاحف أجنبية
وكان بعض عمال المقابر الملكية ممن يدفعهم الجشع أول من انتهك حرمة موتاهم، لم يردعهم وازع ولا رحمة ، فهم انفسهم أول من سطوا على المقابر وخربوها، وأول من حطموا مومياوات الفراعنة، وتكونت للسطو عصابات منظمة اعتادت انتهاك حرمة مقابر طيبة بصفة شبه مستمرة، وكان يُعين هؤلاء بعض الكهنة معدومي الضمير، وبعض الموظفين المرتشين، ولم تكد تسلم مقبرة في وادى الملوك من العبث والانتهاك بطريقة مخالفة للقانون، وفى أواخر الأسرة العشرين (1186-1072 ق.م)، بلغ السطو والنهب درجة جعلت كثير من الكنوز الملكية تتبخر قبل أن يصل إليها المنقبون عن الكنوز في الأزمنة الحديثة، ليكملوا عمل من سبقهم في تبديد التراث الفرعوني.
العثور على مقبرتين كاملتين
فمن المعروف انه تم العثور على مقبرتين كاملتين فقط من مقابر ملوك الفراعنة لم تمسهما أيدي اللصوص العابثة، الأولى هي مقبرة الملك “توت عنخ آمون”، والثانية هي لملوك الأسرة 22 بتانيس بالدلتا شمال مصر، بعد أن تعرضت معظم المقابر الملكية الأخرى للسرقة بمجرد إغلاقها، كما نجح اللصوص في عمل اختراق جزئي لمقبرة توت عنخ آمون، إلا أنه تم القبض عليهم على الفور، وسرعان ما أغلقت المقبرة مرة أخرى”.
ومما يذكر انه أثناء قوة الدولة كانت عمليات السطو على المقابر شيئا نادرا وبسيطا، وكان هذا أثناء عهد الأسرتين الثامنة عشر والتاسعة عشر (1570-1180 ق.م)، وهو العصر الذهبي للإمبراطورية المصرية. عكس ما حدث أثناء الأسرة العشرين حين ضعفت قبضة الفراعنة، فزادت حوادث السطو والنهب حتى على المقابر الملكية نفسها، كالحادثة الشهيرة التي جرت وقائعها إبان حكم رمسيس التاسع (1142-1123 ق.م) وارتبط بها اثنان من كبار الموظفين “باسر” و “باورو” حكام طيبة، كما سنرويها في الحلقة القادمة بإذن الله، فإلى اللقاء.
دكتور قاسم زكى؛
أستاذ الوراثة بكلية الزراعة جامعة المنيا،
عضو اتحاد الأثريين المصريين، وعضو اتحاد كتاب مصر