مقالات

الدكتور قاسم ذكي يكتب عن تهريب الآثار المصرية (3)..نهب الآثار سمة بشرية منذ القدم

تعد هذه السلسلة من المقالات عن سرقة الآثار المصرية وتأثيرها على التراث الثقافي موضوعًا شائكًا ومهمًا يثير الاهتمام. سيتم فيها تسليط الضوء على الجذور التاريخية لهذه الظاهرة وكيف بدأت وتطورت مع مرور الزمن، مع التركيز على تأثير ذلك على الثقافة والتراث المصري.

ذكرنا في مقالتنا الأسبوعية الثانية (مليون قطعة أثرية مصرية بمتاحف أجنبية) إن نهب وتهريب وأيضا إتلاف الآثار المصرية لم يهدأ منذ ثلاثة آلاف سنة، سواء أكان على يد أهل مصر أنفسهم أم على يد الأجانب، ولنا الآن أن نستعرض ذلك منذ قديم الأزل، فمن هم أوائل لصوص الآثار المصرية وكيف بدأت‏.‏

مصر واحدة من أقدم شعوب الأرض

كما ذكرنا (وسوف نذكر دائما) أن مصر واحدة من أقدم شعوب الأرض التي بادرت بتكوين دولة ذات سيادة تحكمها قوانين وحكومة وشرائع وصارت أطول إمبراطورية عبر قرون التاريخ، وهذا أتاح لها أن تقدم واحدة من أعرق حضارات الكوكب. لذا فقد شيدت هذه الحضارة مئات وربما الألاف من المباني والمقابر والمعابد والمسلات والتماثيل، ودونت أيضا الألاف من أوراق البردي، ولم تلق بموتاها في التراب، بل حفظت جثامينهم تحنيطا، ثم كفنتها تكفينا بصحبة الدُرر من مشغولات الذهب والفضة والمعادن الكريمة على امل البعث في الحياة الأخرة، وسجلت تاريخها السرمدي على صفحات معابدها ومقابرها وأوراق البردي.

نرشح لك: مليون قطعة أثرية مصرية بمتاحف أجنبية

لذا كانت الأطماع في تلك الكنوز ديدن البشر منذ الأزل، حتى أثناء حياة الفراعنة الأقدمين أنفسهم، مرورا بمن جاء بعدهم وخاصة من عزوا مصر وسيطروا على أرضها وكنوزها، فسعوا في نهب وسرقة وتهريب تلك الكنوز إلى خارج البلاد. وسوف نستعرض في هذه السلسلة من المقالات الأسبوعية كيف تم نهب تلك الآثار، وخاصة أن عملية النهب تعد سمة بشرية منذ القدم، فتمت بين ظهراني الفراعنة أنفسهم، ثم في أحفادهم خاصة أن هناك قطيعة تاريخه وقعت بين أجداد المصريين القدماء وأحفادهم.

ولم يتوان الغزاة الأشوريين وخلفهم الفرس وتلاهم الرومان بأباطرتهم العظام، منذ قبل الميلاد، في نقل الكنوز، وحتى لو كانت مسلات شاهقة الطول وثقيلة الأوزان ومن قطعة واحدة من الصخر، والتي كانت أول ما نُهب من أثار الفراعنة في باكورة التاريخ , ونقلت للخارج. ومع نهاية  القرون الوسطى الميلادية، زاد النهب والتهريب وخاصة مع بدأ ظاهرة الاستشراق في مصر والعالم العربي، وهبوط الأوربيون من كل حدب وصوب، والذين نهبوا ما وقع تحت أيديهم.

الحملة الفرنسية على مصر

وقيل وقتها أن أهالي مصر المحروسة قد استغلوا حجارة المبان الفرعونية العظيمة (والتي لم تكن تعنى لهم شيء بعد القطيعة) في بناء منازلهم وكنائسهم ومساجدهم، بل وأسوار مدنهم الجديدة. وكانت الحملة الفرنسية على مصر (1798-1801م) كاشفة لكنوز مصر وخاصة مع نشرها موسوعة “وصف مصر” ثم كشف غموض اللغة المصرية القديمة (الكتابة الهيروغليفية) عام 1822م على يد “شامبليون”، والتي أماطت اللثام عن أسرار الحضارة المصرية القديمة (الفرعونية)، وبدأ الولع باقتناء ونهب كافة قطع الآثار المصرية وخاصة خلال فترة حكم الأسرة العلوية (1805-1952م)، والتي كانت تشجع على نهب الآثار بل وتقديمها هدايا للأجانب لكسب ودهم ودعم مواقف سياسية لهم. ولم تكن هناك قوانين تحمى الآثار وتم العبث بها ونهبها والتنقيب غير الشرعي عنها، بل والسماح التام لعملية تجارة الآثار المصرية (حتى العام 1983م)، فخرجت آلاف القطع لتسكن المتاحف الأوربية والأمريكية، بل هناك مقتنيات خاصة بعلية القوم في تلك البلدان تسكن في قصورهم وقلاعهم ومنازلهم الفخمة.

نرشح لك : أطول إمبراطورية وأطول مستعمرة

سوف نستعرض في الاتي من حلقات تلك السلسلة ما حدث خلال تلك الحقب التاريخية المختلفة، وأبرز ممن قاموا بنهب تلك الآثار.

دكتور قاسم زكى؛

 أستاذ الوراثة بكلية الزراعة جامعة المنيا،

وعضو اتحاد الأثريين المصريين، وعضو اتحاد كتاب مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى