الدكتور قاسم ذكي يكتب عن تهريب الآثار المصرية (2) … مليون قطعة أثرية مصرية بمتاحف أجنبية

ذكرنا في مقالتنا الأسبوعية الأولى (أطول إمبراطورية وأطول مستعمرة) إن نهب وتهريب وأيضا إتلاف الآثار المصرية لم يهدأ منذ ثلاثة آلاف سنة، سواء أكان على يد أهل مصر أنفسهم أم على يد الأجانب، وللأسف كانت خسارة علم الآثار فادحة، وقدرت الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية القيمة المادية للأثار المصرية المهربة في الخارج بنحو 3 تريليونات دولار أمريكي.
ومن حسن الطالع أن بعض هذا التراث أنقذته الدولة المصرية والأثريين الملتزمين خلال القرن العشرين، وأحيانا من العسير علينا، على أي حال أن نلوم من نهبوا وخربوا الآثار المصرية، فقد كانت الأخلاقيات السائدة والحالة الثقافية والاجتماعية آنذاك تسمح لهم بذلك العبث. فالأهالي تحت ضغط الفقر والحاجة أو بدافع الطمع والجشع وأيضا تحت مظلة الجهل وظلام القطعية مع الماضي التليد، أما الأجانب فتحت إلحاح التطلع إلى الثراء أو الحصول على الطرائف الأجنبية الشيقة والغريبة.
وإن كان سوء ما عمل هؤلاء لم يخل من بعض الحسنات، فهم الذين لفتوا أنظار العالم إلى أهمية التراث المصري العظيم. فلولا عبث وحب استطلاع جنود الحملة الفرنسية ما كان أحدهم قد عثر على حجر رشيد، وما كان مواطنهم عالم المصريات “شامبليون” فكك طلاسم الهيروغليفية، وليعلم العالم بعدها بقصة أرقي حضارة في الكون.
وفى وقتنا الحاضر لا يخلو أي متحف أوربي أو أمريكي مركزي من الآثار المصرية، من مومياوات ونقوش وتماثيل ولوحات، وأوراق البردي والحلى وغيرها. فمن عجائب القدر أن تكون غالبية الآثار التي تعتز بها متاحف أوروبا وأمريكا قد جلبها مغامرون تملكهم الفضول، فلم يتورعوا أحيانا عن استخدام وسائل مخربة كالبارود والحفارات للتنقيب، دون أدنى إحساس بالمسئولية، ومن مآسي التاريخ أن معظم معلوماتنا عن مصر القديمة حصلنا عليها بمثل هذه الوسائل.
من خلال الحصر (كما ذكر د. حسين دقيل، هيئة الأثار المصرية؛ في كتابه القيم: جوانب خفية في الآثار المصرية، ببلومانيا 2023م)، نستطيع أن نقول إن هناك 52 متحفا أجنبيا؛ ُتحتوي على ما يقرب من مليون قطعة أثرية مصرية، وقد يستغرب البعض هذا الرقم، لكن قد يتلاشى هذا الاستغراب إذا علمنا أن 38 متحفا من تلك المتاحف تشتمل على 780 ألف قطعة، وذلك طبقا الإحصائيات الرسمية بتلك المتاحف، حتى أن 14 متحفا آخر تضم عشرات الآلاف من القطع المصرية لكنها غير محصورة العدد بالضبط.
ففي بريطانيا يوجد حوالي 275 ألف قطعة أثرية بـ 7 متاحف من متاحفها. أما ألمانيا فبها أكثر من 104 آلف قطعة أثرية مصرية موزعة على أربعة متاحف من متاحفها. وحتى في إيطاليا إن آثارنا تزيد عن 60 ألفا. أما المتاحف الفرنسية فبها ما يقرب من 52 ألف قطعة آثار مصرية، هذا فضلا عن أن هناك أكثر من 56 ألف قطعة أثرية مصرية أخرى موزعة بعدد من المتاحف الأوروبية الأخرى. أما الولايات المتحدة الأمريكية ففيها أكثر من 220 ألف قطعة آثار مصرية بـ 15 متحفا فقط من متاحفها.
وهذه المتاحف الأجنبية تمتلك روائع من الآثار المصرية التي لا يوجد مثيل لها بمتاحفنا، فحجر رشيد الذي هو مفتاح اللغة المصرية القديمة لا يزال خارج مصر معروضا بإحدى قاعات المتحف البريطاني. وتماثل نفرتيتي يزين متحف برلين بألمانيا؛ بينما متحف بوسطن بأمريكا فقد ظفر بتمثال من الشست للملك منقرع وزوجته وهو تمثال يمتاز بالدقة المتناهية ويعتبر من أهم قطع الآثار الفرعونية التي تعود لعصر الدولة القديمة، ومن العجيب أن المتحف المصري بالقاهرة يعرض على زواره نسخة مقلدة من هذا التمثال.
لكن كيف بدأت، بل ومتى بدأت سرقة ونهب وتهريب الآثار المصرية، تلك ستكون حلقتنا القادمة، بإذن الله.
دكتور قاسم زكى؛
أستاذ الوراثة بكلية الزراعة جامعة المنيا،
وعضو اتحاد الأثريين المصريين، وعضو اتحاد كتاب مصر