مقالات

الدكتور قاسم ذكي يكتب عن تهريب الآثار المصرية(11).. حال الآثار المصرية في القرون الوسطى

في الحلقة السابقة (رقم 10: آجا ممنون يصمت الى الأبد والمسيحية تبغض الآثار المصرية) ذكرنا ما حدث بعداحتلال الرومان لمصر (عام 32 ق.م) وما آلت إليه أحوال الآثار المصرية من نهب وتخريب، خاصة مع قدوم السياحة الرومانية لزيارة الآثار المصرية، ثم انتشرت المسيحية عبر بلدان مصر فاعتبروا آثار مصر مجرد أوثان فنالت نصيبها أيضا من الإهمال إن لم يكن التخريب والطمس، بل مكانا للهرب من اضطهاد الرومان مختلفي العقيدة المسيحية عن أقباط مصر، ثم آتت ما تعرف بالعصور الوسطي، فكيف كانت أحوال آثار مصر خلالها.

الظلام في أوروبا وأوثان مصر؟

في التاريخ الأوروبي، العُصُورُ الوسطى أو القُرُونُ الوسطى (أو عصور الظلام) هي فترة تاريخية طويلة ومعقدة، وتتميز بتطورات كبيرة في مختلف المجالات، وهي تُطلق على الفترة الزمنية التي امتّدت من القرن الخامس الميلادي (تبدأ تقليديًا بانهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية عام 476م) حتّى القرن الخامس عشر الميلادي (مع سقوط القسطنطينية وبداية عصر النهضة الأوروبية). وهذه محطتنا الحالية لنتذكر ما أحاط بالآثار المصرية في تلك الحقبة من الزمن.

اخترنا لك الدكتور قاسم ذكي يكتب عن تهريب الآثار المصرية(10).. آجا ممنون يصمت الى الأبد والمسيحية تبغض الآثار المصرية

وكما ذكرنا من قبل، فمع دخول الديانة المسيحية إلى مصر، رفض أقباط مصر العبادات القديمة، واعتبروا نقوش المعابد المصرية القديمة من الشرور والآثام التي تجر إلى الخطيئة؛ لذا تم تدمير كثير من الأثار وتخريبها، وقام الإمبراطور الروماني “جستنيان الأول” (527 م – 565م) في القرن السادس الميلادي بغلق معبد إيزيس بفيلة آخر معقل لمصر القديمة، ونقل تماثيله إلى القسطنطينية. بل إن معظم الأثار الفرعونية الظاهرة فوق الأرض تم تدميرها في ذلك العهد، واستخدمت أحجارها في البناء!!، وعديد من المعابد الفرعونية تم تحوليها لاحقا إلى كنائس أو أديرة مثل معبد حتشبسوت (الدير البحري بالأقصر)، ومعابد فيله، والجزء الداخلي من معبد الأقصر.

الفاتحين العرب وآثار مصر:

ولما قدم عمر بن الخطاب رضى الله عنه من الجابية – منطقة بالشام – قام إليه عمرو بن العاص وخلا به وقال ” يا أمير المؤمنين إذن لي أن أسير إلى مصر، إنك إن فتحتها كانت قوة للمسلمين وعونًا لهم، وهي أكثر الأرض أموالا وأعجزها عن القتال والحرب”. فتخوف عمر بن الخطاب على المسلمين بداية الأمر، إلى أن ركن بعد ذلك إلى عمرو بن العاص، وعقد له على أربعة آلاف رجل، وقال له: “سر وأنا مستخير الله في مسيرك، وسيأتيك كتابي سريعًا إن شاء الله تعالي، فأن أدركك كتابي آمرك فيه بالانصراف عن مصر قبل أن تدخلها أو شيئًا من أراضيها فأنصرف، وإن أنت دخلتها قبل أن يأتيك كتابي فامض لوجهك وأستعن بالله واستنصره”.

هكذا فتح المسلمون مصر عشرين هجريًا (يناير 640م)، ودانت لهم البلاد والعباد، ومع الفتح العربي لمصر في القرن السابع الميلادي هذا اندهش الفاتحون العرب عندما شاهدوا المعابد والأهرام. وقد وصف عمرو بن العاص مصر وصفاً دقيقاً بقوله: “مدينة بها أربعة آلاف حمام؛ وأربعة آلاف قصر؛ وأربعمائة مسرح؛ وألف ومائتي بائع خضار”. ولكنهم لم يأبهوا بثقافة مصر القديمة وتاريخها وخاصة مع عدم معرفتهم، وكذا قبط مصر (ساعتها) باللغة المصرية القديمة بعد أن هجروها. ولذا دخلت الخرافات فيمن شيد تلك الصروح العملاقة من أهرامات ومعابد ومقابر ومسلات، فاعتقدوا أن المردة والشياطين هم من شيدوا تلك المعجزات. وبالرغم من أن الفاتحين المسلمين لم يهتموا كثيراً بالآثار المصرية إلا أنهم في نفس الوقت لم يعملوا على تخريبها وتدميرها.

اخترنا لك الدكتور قاسم ذكي يكتب عن تهريب الآثار المصرية(9).. تخريب ونهب الآثار المصرية على أيدي الرومان

إلا أن كشف معالم مصر وأثارها من قبل الفاتحين المسلمين لم يأتي إلا في مرحلة متأخرة بعد أن زال مُلك الدولة الأموية (132هـ = 750م) وجاء عهد الخليفة المأمون سابع خلفاء الدولة العباسية، والذي شهد عهده ازدهارا بالنهضة العلمية والفكرية، وأيضًا اهتمامًا خاصًا بكشف أسرار الهرم.  وانتشرت في ذلك الوقت عمليات صيد الكنوز الأثرية وأعمال السحر. وقد قيل إن العرب تسللوا إلى الأهرام للبحث عن الكنز المزعوم (فتحة الخليفة المأمون في الهرم الأكبر عام 820م). كما نسب للعرب انهم استخدموا في بناء الفسطاط كسوة الأهرام وحجارة المعابد والمقابر القريبة. ولقد كُذبت أغلب تلك الادعاءات على يد شيخ المؤرخين العرب في القرون الوسطى العالم المصري المسلم المقريزي (ولد في القاهرة عام 1356م- وتوفي فيها عام 1441م) والذي شهد بأن كسوة الأهرام كانت مازالت قائمة حين زار الأهرامات، بعد 8 قرون مرت على الفتح الإسلامي.

حال آثار مصر في القرون الوسطى:

بشكل عام أدت التغيرات السياسية والاقتصادية التي شهدتها مصر خلال القرون الوسطى إلى إهمال العديد من المواقع الأثرية القديمة، مما أدى إلى تدهورها وتلفها؛ كما تسببت العوامل الطبيعية مثل الفيضانات والزلازل في تدمير بعض الآثار المصرية. ويذكر انه تم استخدام بعض الأحجار والمواد من الآثار المصرية القديمة في بناء مبانٍ جديدة، مثل المساجد والكنائس، كما استخدمت بعض الزخارف والنقوش من الآثار القديمة في تزيين المباني الجديدة. وقام بعض المؤرخين والرحالة بوصف وتسجيل بعض الآثار المصرية القديمة، مما ساهم في الحفاظ على بعض المعلومات عنها. وذكر أن بعض الحكام أبدى اهتمامًا بالآثار المصرية القديمة، وقاموا بترميم بعضها.

ولم يكن المثقفون الأوروبيون يعرفون شيء عن مصر منذ أن غادرها الرومان (640م) ولمدة خمسمائة عام تالية في قطيعة كبيرة، إلا اليسير الذي سمعوه فيما بعد من جنود الحملات الصليبية (1096م – 1291م) أو الذي يقرؤونه في كتب الرحالة والمستشرقين.

دكتور قاسم زكى؛

 أستاذ الوراثة بكلية الزراعة جامعة المنيا،

عضو اتحاد الأثريين المصريين، وعضو اتحاد كتاب مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى