تجربة مصر في زراعة الأرز تتحول إلى مشروع أفريقي مشترك ..تفاصيل

في خطوة تعكس روح القيادة والتعاون خاصة فى مجال زراعة الأرز، احتضنت القاهرة فعاليات منتدى الأرز الأفريقي، الذي تحوّل إلى مساحة مفتوحة لتبادل الخبرات وصياغة ملامح مرحلة جديدة من الأمن الغذائي في القارة.
الاكتفاء الذاتي من الأرز والتعلم المتبادل من تجربة مصر
المنتدى، الذي جاء تحت شعار “الاكتفاء الذاتي من الأرز والتعلم المتبادل من تجربة مصر”، لم يكن مجرد لقاء وزاري عادي، بل تظاهرة فكرية وتنموية ضمّت وزراء الزراعة من 28 دولة أفريقية، إلى جانب أكثر من سبعين خبيرًا دوليًا وممثلين عن منظمات إقليمية ودولية.
المشهد لم يكن احتفالًا بإنجاز مصري فقط، بل بداية لرؤية أكبر تسعى لتحويل هذا الإنجاز إلى رصيد جماعي للقارة بأكملها. الوزير علاء فاروق، الذي افتتح المنتدى، شدد على أن الأمن الغذائي لم يعد ترفًا، بل ضرورة مصيرية. ورغم التحديات التي تواجهها مصر، من ندرة المياه إلى ضيق المساحات الزراعية، فإنها تمكنت من تحقيق ما وصفه بأنه طفرة حقيقية في زراعة الأرز، بعدما تجاوز متوسط إنتاجية الفدان خمسة أطنان، وهو رقم يضع مصر في مقدمة دول العالم من حيث الإنتاجية.
مصر تنقل التكنولوجيا الزراعية إلى الدول الأفريقية

اللافت في كلمات الوزير لم يكن فقط الحديث عن الأرقام، بل الإصرار على أن هذه التجربة لم تُبنَ بمعزل عن التخطيط العلمي، فقد استثمرت الدولة في تطوير أصناف محسنة تقاوم الجفاف، وفي تحديث نظم الري، ودعمت المزارعين بسياسات مرنة وواقعية، عززت من قدرتهم على مواكبة التحولات المناخية والاقتصادية.
ولأن النجاح لا يُحتكَر، كانت الرسالة الأبرز في المنتدى هي استعداد مصر لتقاسم هذه التجربة، من خلال نقل التكنولوجيا الزراعية إلى الدول الأفريقية، وفتح أبواب مراكز البحث والتدريب أمام الكوادر القادمة من القارة.
مدير مركز الأرز الأفريقى : مشروع القارة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي يبدأ من مصر
هذا التوجه لاقى صدى واسعًا بين المشاركين، حيث عبّر المدير العام لمركز الأرز الأفريقي، الدكتور باباكار مانه، عن تقديره العميق للتجربة المصرية، واصفًا إياها بالنموذج الذي يجب أن يُبنى عليه مشروع القارة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأرز. وأضاف أن مصر لم تُحقق هذا النجاح بالصدفة، بل من خلال رؤية استراتيجية يمكن أن تتكامل مع جهود الدول الأخرى إذا توافرت الإرادة السياسية والتعاون الحقيقي.
على مدار أيام المنتدى، كانت الحوارات تدور حول كيفية تحويل هذا النموذج إلى خطة عمل واقعية، تشمل خريطة طريق قارية، وتوسيع الاستثمارات في سلاسل القيمة، وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص. كما تمت مناقشة أهمية تبادل التجارب، ومراجعة التقدم المحرز بشكل دوري لضمان استدامة الجهود وعدم الاكتفاء بالوعود.
وربما ما جعل هذا المنتدى مختلفًا هو شعور المشاركين بأن ما يُقال ليس دبلوماسيًا فقط، بل نابع من تجربة حقيقية ملموسة. فحين يتحدث وزير الزراعة عن صرح علمي مثل مركز بحوث وتدريب الأرز بسخا، الذي بات قبلة للخبراء من مختلف الدول، فإنه يؤكد على أن مصر لا تقدم شعارات، بل أدوات نجاح جاهزة للتطبيق.
خلق حالة من التكامل العملي

في النهاية، كان واضحًا أن القاهرة لا تسعى لقيادة خطاب زراعي جديد في أفريقيا فحسب، بل لخلق حالة من التكامل العملي، تعتمد على التعلُّم المتبادل، واحترام خصوصية كل دولة، وتوظيف التنوع البيئي والبشري الذي تزخر به القارة. النجاح المصري في الأرز، كما قال الوزير، ليس إنجازًا وطنيًا، بل فرصة تاريخية يمكن أن تتحول إلى مشروع قاري مشترك، إذا ما تم البناء عليه بالشكل المناسب، ومن هنا جاءت الدعوة الصريحة إلى تحويل كلمات المنتدى إلى أفعال، تبدأ من اليوم، وتستمر بخطى واثقة نحو الاكتفاء القاري.