غير مصنفمقالات

الدكتور قاسم ذكي يكتب عن تهريب الآثار المصرية (29): الجناح المصري في متحف اللوفر بباريس

الجناح المصري هو لؤلؤة متحف اللوفر بباريس وهو الذي جعله أجمل متحف في العالم، في الحلقة السابقة من سلسلة مقالات عن تهريب الآثار المصرية تحدثنا عن متحف اللوفر….جوهرة باريس المتلألئة وفي هذه المقالة نتحدث عن الجناح المصري في متحف اللوفر بباريس، والبداية جاءت في 15 مايو 1826م، عندما أصدر شارل العاشر Charles X)؛ 1757م -1836م) أمراً ملكياً بإنشاء “الجناح المصري” في اللوفر، وتعيين جان فرانسوا شامبليون (Jean-François Champollion؛ 1790م – 1832م) أميناً عاماً له. وحاليا يعد الجناح المصري من أبرز أجنحته، وبعد التوسعات الأخيرة زاد عدد القطع المصرية المعروضة إلى حوالي 55 ألف قطعة، وتضاعفت مساحة العرض فبلغت أكثر من 4500 متر مربع، تمتد عبر 19 صالة، ليصبح بذلك أجمل وأغنى متاحف أثار مصرية في العالم. وفي العام 1989م، شيدت الحكومة الفرنسية هرمًا زجاجيًا على مدخل متحف اللوفر، يصل ارتفاعه إلى نحو 21 مترًا، ويُعد ذلك الهرم واحد من أصل أربعة آخرين أصغر منه حجماً، يحيطون به في الفناء الخارجي للمتحف، وقدموه هدية بمثابة تحية لقدماء المصريين وعالمهم المدهش.

آثار 77 قرناً من زمان مصر المحروسة تعرض في اللوفر:

وبالنظر إلى النشاط الفرنسي في مجال الآثار المصرية، نجد أنه بدأ منذ فترة مبكرة جداً، ربما تكون أولى محطاتها العملية الحملة الفرنسية على مصر (1789م-1801م) وإن سبقها زيارات المستشرقين. ويلاحظ أن الآثار المصرية في اللوفر جاءت من كل بقاع مصر من أدنى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن أقدم العصور المصرية، منذ عصور ما قبل التاريخ مروراً بالعصر العتيق وعصور الدولة القديمة والوسطى والحديثة، وبما تخللها من عصور اضطراب، وإلى نهاية العصور الفرعونية، ثم العروج على آثار مصر البطلمية والرومانية والقبطية وإلى الفتح العربي.

كل ما سبق يؤكد أن الجناح المصري في متحف اللوفر عبارة عن رحلة زمانية عميقة في تاريخ المحروسة تبدأ على وجه التقريب منذ سبعة آلاف عام قبل الميلاد وتمتد إلى سبعمائة ميلادية، آى حوالي 77 قرناً هي عمر التجربة المصرية منذ عصور ما قبل التاريخ وإلى الفتح العربي، ما يعني أنها رحلة زمانية مكانية، خاضها الفرنسيون في سبيل تكوين متحف اللوفر.

وتنوعت مصادر حصولهم على الآثار المصرية، فكانت البداية الشراء من القناصل الأجانب حيث كانت مصر مسرحاً مستباحاً لنهب الآثار على أيدي هؤلاء القناصل؛ بعدها تم الاعتماد على الحفر المباشر في الأرض المصرية، تلاها الشراء من تجار العاديات، وتقبل الإهداءات.  واللافت للنظر في تعامل الفرنسيين مع الآثار المصرية أنهم كانوا لا يأخذون إلا أروع الروائع وأندر النوادر.

أشهر 10 قطع آثار مصرية في متحف اللوفر:

هناك الآلاف من قطع الآثار المصرية الرائعة، لكن يمكننا اختيار أروع عشر قطع منها كالتالي: مجموعة من التوابيت التي حصل عليها شامبليون أثناء رحلته إلى مصر (1828م-1830م)- تمثال أبو الهول الكبير -قناع نفرتيتي الذهبي – تمثال الكاتب الجالس – مصطبة أخثتيب والكنيسة الجنائزية -معبد قبر “آخت حتب” – كتابات هيروغليفية وأنواع أخرى من الكتابة المصرية القديمة – ثلاثة من تماثيل الكتلة للنبلاء وتمثال ذهبي لحورس وإيزيس وأوزوريس – المومياوات الحيوانية المدهشة – تمثال الملك رمسيس الثاني.   أيضا توجد غرف ذات موضوعات خاصة مثل الزراعة في مصر القديمة وكذلك الكتابة والإسكان والحلي والمجوهرات والمقابر والإيمان بالآخرة.

مسيرة إنشاء القسم المصري في متحف اللوفر:

استمر جلب وتهريب الأثار المصرية الى متحف اللوفر عبر أكثر من قرنين من الزمان، وتمت بشكل غير أخلاقي. كانت بداية النهب عقب إنشاء «الجناح المصري» في اللوفر. لكن سبق هذا التاريخ دخول عديد من القطع الأثرية المصرية متحف اللوفر كباقي القطع الأخرى التي تعرض هناك دون تخصيص جناح لها.

وكان المفترض أن تكون الحملة الفرنسية على مصر (1798م – 1801م)، أولى محطات انتقال الآثار المصرية إلى فرنسا؛ فقد جمعوا الكثير والكثير. لكن هزائمهم العسكرية، نقلت كل تلك الأثار إلى جيش إنجلترا بموجب معاهدة الاستسلام.

وجاءت أولى مجموعات الآثار المصرية إلى اللوفر من الرسام الفرنسي المعروف “فيفان دنيون” (Dominique Vivant Denon‏؛ 1747م – 1825م) والذي كان مديرًا للمجمع العلمي المصري في القاهرة (1798م). واشتملت مجموعة “دنيون” على تماثيل ملكية عدة. وتبعتها 16 قطعة أخرى في عهد لويس السابع عشر. وفى العام 1820م، تسلم اللوفر جزءا من مجموعة احتوت أشياء نادرة عدة، منها فلك البروج بسقف معبد دندرة بقنا، وكذا غرفة الملوك وبردية “بريز” والأخيرتين إهداء من المستشرق الفرنسي “إميل بريس دافين”. وعندما اعتلى شارل العاشر عرش فرنسا (16 سبتمبر 1824م)، أشترى مجموعة ضخمة من التماثيل المصرية القديمة. بينما أحضر الكونت “دى فوربى” التماثيل الجميلة للربة «سخمت». وأهدى ابن تاجر الآثار “بيير بول تدنا – دوفن” التابوت الحجري الأول لـ”أيونا” إلى لويس الثامن عشر، والذي قدمه لمتحف اللوفر.

وفى العام 1824م، تم شراء مجموعة «دوران» حوالي 2149 قطعة أثرية، لتصبح بحق أولى مجموعات الآثار المصرية الضخمة التي تدخل اللوفر.  أيضا في 1826م تم شراء مجموعة “ليفورنو” الضخمة والرائعة والمتنوعة بشكل كبير.  وفى العام 1827م، دخلت مجموعة القنصل الفرنسي “دروفيتي” الثانية المهمة.

وفى الفترة من 1828م – 1830م، سافر شامبليون بنفسه الى مصر، وعاد محملاً بكنز ثمين من الآثار المصرية قُدِّر بأكثر من مئة قطعة مدهشة. وفى مارس 1832م توفى “شامبليون” بعد حياة حافلة بالعطاء لبلده فرنسا وكانت مليئة بالجمع المتواصل لآثار مصر، تاركاً الجناح المصري في اللوفر عامراً بأكثر من تسعة آلاف قطعة أثرية متنوعة. لكن ويا للأسف تعرض الجناح المصري بعد وفاة شامبليون للإهمال والتدمير.

ثم عاود النشاط لماكينة تجميع الأثار المصرية لصالح اللوفر، فتم شراء مجموعة القنصل الفرنسي العام في الإسكندرية “جان فرانسوا ميمو”، كانت 158 قطعة أثرية. وفي العام 1853م، تم شراء مجموعة “كلوت بك” والتي اشتملت على 2678 قطعة أثرية، وكان “كلوت بك” يشغل منصب كبير أطباء محمد على باشا.

وبين الأعوام 1850م – 1870م، دخلت اللوفر مجموعات أخرى قادمة من مصر عن طريق الشراء والهبات. وكان أكثر أصحابها من الديبلوماسيين الأجانب في مصر.

ففي خلال الفترة من 1852م – 1853م تم تزويد المتاحف الفرنسية بالآثار المصرية، عن طريق تقسيم الآثار المستخرجة وكانت البداية بآثار سرابيوم منف. وبين عامي 1879م – 1896م، دخل المتحف عدد كبير من البرديات والأوستراكات ostracon)، وهي عبارة عن أجزاء من الفخار أو الحجر تستخدم كأداة للكتابة) والنصوص الخارجة من المومياوات، وتمثل الآن أكبر المجموعات في هذا المجال في العالم كله.

وعن طريق الشراء من الأفراد استمر تزويد اللوفر بعدد متميز من الآثار المصرية (مجموعة الملك “أوسركون الأول”) وثلاث قطع حلى من مبيعات الأمير نابليون. وفى العام 1895م، قام “فرانسوا بنديت”، أمين متحف اللوفر، بأولى رحلات الشراء السنوية إلى مصر، وقتذاك، كان متحف الجيزة (الأنتيكخانة المصرية بالجيزة) يبيع الآثار المصرية. وبعد ذلك كانت الآثار المصرية ترسل بانتظام إلى اللوفر وانتشر النباشون الفرنسيون في أرض مصر يقلبونها شبراً شبراً، بحثاً عن الآثار المصرية من أقاصي الدلتا شمالاً وإلى الجندل الأول جنوبا.  هكذا امتلأ الجناح المصري بمتحف اللوفر من قطع الآثار المصرية.

دكتور قاسم زكى؛

 أستاذ الوراثة بكلية الزراعة جامعة المنيا،

عضو اتحاد الأثريين المصريين، وعضو اتحاد كتاب مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى